سـنـكـن يـتـن البيروت

 

 

 

 

 

الكون وسر تكوينه

 

     الكلام عن تاريخِ لبنان هو الكلامُ عن أبي الحضارات، فلبنانُ هو النبراسُ الأصيل المنير للبشرية أنه نبعٌ وكنزُ للمعارف، إنه حقيقة وضرورة. ولكن واحسرتاه هناك من يُلصِقُ معظمَ اكتشافاتنا إلى شعوبٍ أخرى، نعم هناك فرقٌ شاسع بين المؤرخِ الذي وثـّق كلامهُ بالاكتشافاتِ والحفرياتِ وبين من يستقي الأخبارَ جزافا، من هنا وهناك متطفلا على الحقيقةِ ونسي أو تناسى أن النورَ الساطعَ من شمس الحقيقة هو الكفيل بإظهار عظمة لبنان المبدع. إن نوابغَ وعظماءَ لبنان السرمدي، القديم الأزلي العملاق زرعوا ولكن غيرهم حصد لأنهم في موسم الحصاد كانوا يهاجرون فهم ملوك البحر     يزرعون ولكن في غير مكان، بينما الغير لا يعرف الزرع بل يتقن فقط الحصادَ ونهبَ الغلالِ، ألم يكن للبنان الفكر، الفضل في تطوير الشعوب فحضّرها. لقد زرع الجدود بذورا صالحة فنمت وأينعت وأنتجت من العباقرة الذين جوبهوا بالرفض المطلق لعدم اعتقادهم بنظريته نتيجة للتحجر الفكري لدرجة إحراق نتاجه فلفت الظلمة شخصيته لولا البعض القليل الذي قدر هذا الإنتاج فقام بعد استخلاص ما تبقي من المؤلفات إلي اليونانية مثال ذلك فيلو الجبيلي في أوائل القرن الثاني الميلادي وحفظ قسما منها المؤرخ الكنسي أوزابيوس القيصري كما كتب عنه فرفوريوس الصوري والمعروف أيضا ببورفير في القرن الثالث الميلادي إنه العلامة الكاهن البيروتي العظيم سنكن يتن أو كما يسميه البعض سنخني أتن. وكان بورفير أول من فسر اسمه فكلمة "سكن" تعنى المسكن أو الهيكل و"يتن" كلمة سامية تعني يعطي فيكون بذلك اسمه "ساكن الهيكل" وفي تفسير آخر" صديق الحقيقة " 

     عاش سنكن يتن أو سانخوني يتن الكاهن البيروتي قبل فيلون الجبيلي بحوالي 1300 سنة، كان سنكن يتن الرائد الأول الذي توغل في أسرار الوجود. فهو بلا جدال الأول في كتابة قصة الخلق والخليقة، قال سنكن يتن أنه في البدء كان الهواء مظلما، مضطربا بواسطة الروح، أو بالحري لم يكن شيء إلا روح الهواء المظلم والخلاء المختلط الشديد القِتام وكان الخلاءُ لا نهاية له. وطوال قرون عديدة لم يبرز شيئا من المعلولات، ولما أحبَ الروح مبادئه حدث امتزاج ودُعِي هذا الإتحاد شوقا. وكان الشوق علة كل شيء. امتزج الروح و الفضاء فولد "موط" ويترجمه البعض بالطين والآخر بفساد وحْلي ومن هذا خرج كل تزاوج وتناسل ابتداء بحيوانات معدومة الحس سموها "صفاشميم" أي الناظرة إلي السماوات وقد ذكرها المؤرخ الأسقف أوزابيوس القيصري عن فيلون الجبيلي أن هيئتها كهيئة بيضة، أما كون الإنسان قد خلق من تراب علي ما ورد في الكتاب المقدس فدونك الشرح الأبيكوري الذي أورده الشاعر نون عن تكوين الدنيا بحسب معتقد الفينيقيين الأمر الذي تعلمه اليونان والرومان عن الفينيقيين. ولما أخذ الهواء في اللمعان، تكون عن سخونة البحر والأرض رياح وغيوم وسقطت مياه السماوات سقوطا عظيما ألم يذكر الكتاب المقدس في العهد القديم "وانفتحت ميازيب السماء" عند كلامه عن الطوفان. كان سنكن يتن أول من حدثنا عن انفصال الجو عن الغمر وعن تنوع المادة لاختلاف تكون الذرّات، فما اكتفوا بعدم فهمه بل اتهموه بالثرثرة والدجل. لفيلون الجبيلي وبورفير الصوري الفضل في حفظ بعضا من كنوزه، وكان هذا في القرن الخامس قبل الميلاد، وبقيت أفكاره وأثاره من دون جدوى لأن أجدادنا عاشوا في زمن يغنيهم عن التفكير بعوامل النشوء والتكوين متقوقعين في وادي الدموع والسطحية إذ عامة الشعب لا تهتم بعلم التأريخ ولا تقبل به لخرقه حرمة الخرافات التي يعتبرونها في ذلكم الزمن من المقدسات. ولولا ترجمات فيلون الجبيلي لخسر العالم كنوزا فكرية وعلمية لا تقدر بثمن. ومن أقوال أوزابيوس القيصري المنقولة عن فيلون الجبيلي: أن سنكن يتن أراد معرفة مبادئ الأشياء وسر الوجود وسر كل موجود انطلاقا من حرف توت.

     كان سنكن يتن باحثا وعالما، وأن ما سجله كان لإفادة أبناء الأيام الآتية من منجزات الأيام الخالية. لقد كتب ومنذ الأيام الغابرة عن"الحية الطائرة" و"الجرن الطائر" فقال إنها: "حية ذات أجنحة ومراوح حلزونية الشكل تَنَفُسُها هدير، سرعتها مذهلة، لمعانها ينير السماء." دخل هذا الوصف اليوم،  في الواقع المنظور والمسموع ولم يعدَ خيالا. حقا كان سنكن يتن من العظماء الذين قادوا مسيرة الفكر في التاريخ.            

                                                                        

                                                                         الأستاذ الأعظم الأخ جميل نجار

المراجع:1:  لبنان العملاق: قيد الطبع: د.جميل نجار:

          :2: موسوعة ويكييبديا