قراءاتText Box: سرَّانية المعرفـــة
Text Box: الديموقراطية و الأرستقراطية 
Text Box: سرَّانية المعرفـــة
"الحفاظ على سرّ المهنة"
إن ما بوسعي اليوم أن أقوله و أجزم به أنه من خلال تجربتي المتواضعة هو أن هذا الفهم كان في الدرجة الأولى تبسيطي جداً، وبالتالي، كان خطأ كبيرا.ذلك لأنه قد تم تجاهل قبل كل شيء ما تعنيه المعرفة من سلطة على الآخرين وبالتالي ضرورة أن تكون هذه السلطة على الآخرين، أخلاقية أولاً وآخراً.
كيف أضحى بوسعنا من خلال الطاقة النووية تدمير كوكبنا وكل ما يحتويه من مظاهر الحياة وكيف أضحى علماؤنا نوويين في أواخر قرننا يبيعون اليوم معارفهم ونتاجهم لمن يدفع. وأتأمل أيضاً في أهم منـجزاتنا وفيما حقَّقناه في علم الفيروسات المبرمجة وفي منجزاتنا في علم الجينات، وبتلك الأمراض الجديدة المنفلتة من عقالها والتي باتت تهدد الجميع وأتساءل هل نحن اليوم على حقّ من خلال شعاراتنا الجوفاء وخاصة منها تلك الداعية إلى ديموقراطية المعرفة؟ و لم لا نتوقف قليلاً عن خداع أنفسنا وعن خداع الآخرين من خلال هذا الشعار الكاذب الداعي إلى ديموقراطية المعرفة. وكل عاقل يعرف اليوم أن المعرفة في جميع أنحاء المعمورة هي في طريقها لأن تتحول إلى احتكار تتملَّكه نوادٍ شبه مغلقة تتحكم فيها "النخب" المسيطرة على عالم اليوم والقائمة على العنف والذرائعية والمصلحة المادية المباشرة. وأقارن هذا الواقع بما كان يدعو إليه بيتاغور من نخبوية حقَّة قائمة على الأخلاق وعلى قدسيّة المعرفة وكانت تشكل بالنسبة له أساساً دينياً. وأترك لكم أيها الأخوة مجال الحكم على ما حقّقناه من حيث العمق من تقدُّم، سرَّانية المعرفة.بالنسبة لبيتاعور، لم تكن تعني قطعاً إخفاءها واحتكارها وإنما كانت ولم تزل ربما حتى يرتقي الإنسان إلى المستوى المطلوب لاقتنائها، حاجة تفرضها ضرورة الحفاظ على قدسيَّتها. وبعد كل ما وصلنا إليه، أليست الأسرار هي من الحقوق الحصرية للمميزين المستنيرين ؟
  
الديموقراطية و الأرستقراطية 
كان بيتاغور يتعامل مع الديموقراطية كوسيلة وليس كغاية بحد ذاتها، كوسيلة بمعنى أنها مجرد أداة، ربما أفضل أداة، يستطيع المجتمع الإنساني بواسطتها ومن خلالها تأمين تكافؤ حقيقي في الفرص بهدف الوصول إلى مبتغاه. أما المبتغى الاجتماعي،أي الغاية الاجتماعية للديموقراطية، فقد كانت بالنسبة لبيتاغور النخبوية أو الأرستقراطية. 
وفهمه للأرستقراطية أو للنخبوية كان مبنياً على تملِّكها التصاعدي العميق للمعرفة المقدَّسة من خلال سرانيتها، وعلى الأخلاق من خلال الدين والعبادة الحقيقيين. وكما تقول الأبيات الذهبية لا تفعل أي شيء بلا علم به وتعلَّم ما ينبغي أن تعلم فتلكم قاعدة الحياة الهنيئة، وباشر عملك بعد أن تسبِّح الآلهة حتى تتفوق فيها فإذا ملكت هذه المبادئ عرفت جوهر الآلهة الخالدة والآلهة الفانية، والفوارق بين الأشياء والروابط التي تشدها بعضها إلى بعض
وعرفت حدود الحلال، حيث الطبيعة هي هي في كل شيء، وبذلك لن تأمل فيما لا أمل فيه ولن يخفى عليك شيء فالافتقاد العملي لهذه المبادىء الخالدة هو الذي شكَّل، ربما، على مرّ العصور جانباً أساسياً من جوانب الأزمة الإنسانية. وأستذكر ما أورده بهذا الخصوص رونيه جينون إذ قال: لعل الفردية individualism هي من المسبِّبات الأساسية للانحطاط، وما نقصده بالفردية هو نفي أي مبدأ متعالٍ يفوق الفرد، مما يعني عملياً حصر الحضارة في مختلف مجالاتها بما هو بشري فقط ليس غير. إن المجتمع الإنساني المؤلف من المجموع الحسابي لأفراده يصبح غير خاضع لأي مبدأ سام يعلو بمضمونه على الأفراد، وبالتالي يسوده قانون العدد الأكبر ذلك القانون الذي يعني عملياً قانون المادة، إن لم نقل قانون القوة الغاشمة. ونسجل هنا أن ما كانت المدرسة البيتاغورية تسعى إليه أساساً وهوالقضاء على هذه الفردية من خلال المعرفة والمحبة التي تستلزم المساواة وحيث يفترض أن تكون جميع الأشياء مشتركة بين الأصدقاء و الإخوة. كما قال المعلِّم ذات يوم قد وصلنا معكم أيها الإخوة إلى ذات البيتاغورية الّتي يمكن تلمّسها ربما من خلال الأبيات الذهبية التي عكست بمرارة ما شعر به المعلِّم وتلاميذه في أيامهم الأخيرة.والقائلة ستتـعرف على البشر ضحايا المصـائب التي ينزلونها بأنفسهم وتعـرف بؤسـهم وتعرف أن هناك إناس عاجـزين عن إدراك الخــيرات القريبـة منهم، إذ قلـة من بينهم تعرف كيف تنـجو من الشقاء أما القضـاء النازل بنفوس الفانين هو كالكـريات تتدحـرج هنا وهناك مسببة الآلام التي لا نهاية لها، فالشقاء رفيقـهم الفاجع يودي بهم من حيث لا يدرون، إن الشقاء الذي يظهر لدى مولدهم يتوجب الامتناع عن إثارته، وتجنُّبـه بعدم الانقياد له فهو يودي بهم من حيث لا يدرون إلى الشقاء. فالأسطورة تقول إنه في عام 500 قبل الميلاد، حصل في مدينة سيباريس الغنية المجاورة لكروتون، التي كانت تحكمها نخبة أرستقراطية عريقة، تمرَّد قائد طاغية يدعى تيليس واستولى على السلطة هناك فأعدم وقتل الكثير من معارضيه البيتاغوريين، لكن بعضاً منهم تمكن من الهرب إلى كروتون حيث طلبوا حق اللجوء ومنَح هؤلاء الفارين من سيباريس إلى كروتون حقّ اللجوء، رغم معارضة بعض أعضاء مجلس شيوخها، نتيجة التدخل المباشر لبيتاغور مما أثار غضب طاغية سيباريس الذي أعلن الحرب على كروتون.وكان أنْ ربحت كروتون (التي كان يقود جيشها البطل الأولمبي والبيتاغوري ميلون) في حينه تلك الحرب التي فرضت عليها ولكن نتيجة لتلك الحرب، ازدادت قوة الحزب العامِّي المعارض للنخبة البيتاغورية الحاكمة وازدادت شقة الخلاف بين أبناء المدينة، وطبعاً تجلى الخلاف حول غنائم الحرب والأراضي المستولى عليها من سيباريس التي طالب الحزب العامِّي بضرورة توزيعها على أفراد الشعب. بينما عارض مجلس الشيوخ الذي كان يقوده البيتاغوريين ذلك مفضلاً أن تُستثمَر للصالح العام. وكان يقود ذلك الحزب العامِّي في حينه ابن عائلة كروتونية غنية يدعى سيلون سبق أن رفض بيتاغور انتسابَه إلى مدرسته بسبب عنفه وسوء أخلاقه مما أدى إلى تحوُّله إلى عدو لدود للبيتاغوريين. و قد حرض سيلون العامَّة من خلال استثارة أحطِّ غرائزها للتخلُّص من بيتاغور وجماعته وكانت مجزرة أودت بحياة معظم هؤلاء الذين كانوا مجتمعين في منزل القائد ميلون وحيث، كما تقول الأسطورة، لم ينج منهم إلا اثنان وتشتَّتت الطائفة بعد أن فشلت من خلال نظامها السياسي الذي كان قائماً على العمل والفضيلة في إصلاح المدينة. أما بيتاغور فلم يكن أحد الناجين فلا أحد يعرف ما حلَّ به حيث يقول بعضهم، ومنهم هيبوليتوس ونيانتيس أنه قتل في حينه مع رفاقه في منزل ميلون على يد المتمرِّدين ويقول بعضهم الآخر، ومنهم ساتيروس، إنه تمكن من الهرب واللجوء إلى معبد في ميتابونتي حيث قضى آخر أيامه في الصلاة صائماً حتى وافته المنيَّة. وتختلف الأقاصيص لكنها تتفق جميعها على غموض نهايته، حيث لم يجد أحد جثمانه الذي يقول أتباعه إن الآلهة حملته إلى أعالي جبال الأولمب حيث مازال إلى يومنا هذا يتابع سعي أبنائه المستمر في سبيل الحقيقة، تلك الحقيقة التي تعلو على كل شيء والتي مع خاتمة "الأبيات الذهبية" كانت وستبقى تؤكد، رغم كل شيء، لجميع المريدين الذين آمنوا بها أن البشر من سلالة إلهية وأن الطبيعة المقدسة ستدلُّهم وتكشف لهم كلّ أسرارها.
*** *** ***
المراجع:    الكتاب المقدّس، "العهد الجديد".  القرآن الكريم.

Jean Voilquin, Les penseurs grecs avant 
Socrate. Jacques Chevalier, Histoire de la pensée, Tome 1. 
Dictionnaire des œuvres philosophique
Jean Mallinger, Pythagore et les Mystères
René Guénon, La crise du monde Edouard Schuré, Les grands Initiés modernes.